هل العلاقة بين الزوجين في فراش الزوجية هي
لحظة متعة جسدية تنقضي فتنتهي المتعة الحلال،
ويدير كل طرف ظهره للآخر؟
يعرف جميع الأزواج مرحلة ما قبل الجماع، لكن الكثيرين لا
يعرفون مساحة ما بعد ذلك، إنها المساحة التي ترتوي فيها
الروح ويمتلئ فيها القلب بالدفء بعد أن تهدأ رعشة الجسد،
ويتسلل الخدر إلى البدن، ويتزود الزوجان بزاد من الرقة
والمحبة الصافية.
مرحلة ما بعد الجماع هي المرحلة الثالثة في مسيرة الحب:
الإيقاع الجنسي بين المرأة والرجل متفاوت، ففي حين يعلو
منحنى الشهوة عند الرجل بسرعة ويهبط بسرعة، فإن
منحنى الشهوة لدى المرأة أطول أفقيًا، يرتفع في هدوء،
ويستوي،ثم يهبط في هدوء. وإذا كان التوافق الجنسي
يستلزم أن يتم التقديم بالقبلة والكلام كي يطول أمد
الملاعبة بما يمتع الزوجين ويمهل المرأة حتى تستوفي
الاستعداد للحظة المنشودة،فأنه ينبغي على الرجل
ألا ينزل بعد الإنزال بل يُتم الوصل حتى تقضي المرأة
وطرها، فإن إدراك آفاق ومتعةالمرحلة الثالثة في مسيرة
الحب يضيف إلى متعةالزوجين مساحةأخرى، فالتودد
والملاعبة والملامسة الرقيقةالحانية بعد انقضاء اللحظة
كلها وسائل للمتعة تمهل المرأة حتى يهبط منحنى
متعتها في هدوء دون أن يتم كسره فجأة، فتشعربانقطاع
اللذة الحاد والخواء فيفسد ذلك عليها مشاعرالاستمتاع،
كما أن تبادل اللمسات والكلمات في فترة الخدرالتي يمر
بها الرجل بعد الإنزال يكون متعةصافية تحقق له سعادة
هادئة لا عجلة فيها ولا فورة،بل رقة وتدليل وبث لمشاعر
الحب الدافئة بالأنامل وبالكلمة شديدة الخصوصية والإسرار
والسكينة.
الجهل والإجهاد:
لماذا لا يمارس الكثيرون حب ما بعد الجماع؟
الجهل هو السبب الأول، والاعتقاد بأن الجنس يتمحور حول
لحظة إنزال الرجل وبعدها ينتهي كل شيء بتحقُّق هذه
الغاية الكبرى، وغياب ثقافة أوسع لما يحيط بالعلاقة
الزوجية الحميمة من مقدمات ومؤخرات.
أما السبب الثاني فهو الإجهاد، فالعلاقة الزوجية عادة
ما تتم ليلاً والزوجان في حالة إجهاد بعد يوم حافل
بالعمل والحركة والمسئوليات والشواغل، فضلاً عن أن ردّ
الفعل العصبي عند الرجل بعد الإنزال يكون الاسترخاء
العميق، فإذا اجتمع هذا مع إرهاق يوم طويل فإن النتيجة
تكون السقوط نائمًا بعمق وراحة بال، في حين أن حرارة
مشاعر المرأة الجنسية تأخذ وقتًا حتى تبرد كما ذكرنا فتبقى
في أغلب الأحوال بعده مستيقظة وشعورها الحسي ما زال
يقظًا لم يخلد للنوم بعد.
المداعبة باب لوصل ثان:
لا تمثل المداعبة بعد الجماع فقط مساحة لاستكمال متعة
المرأة، بل تكون بابًا لمتعة صافية ليس فيها توقع أداء
جنسي معين من الرجل بل تلذذ بدون توقعات أو انتظار
للحظة بعينها. ولا مانع أن يكون هذا التلذذ والتمتع
الرقيق الذي يبث فيه كل طرف لشريكه مشاعره ويعبر له
عن مكنون نفسه وخلاصة حبه بابًا لمتعة جديدة بمعاودة
للقاء ثان، والتوجيه النبوي فيه للرجل أن يتوضأ
تنشيطًا للعود، وبذا تكون المداعبة بعد المعاشرة
الأولى مساحة راحة وتأهب لمرة ثانية قد يشتاق لها
أحدهما أو كلاهما.
والمداعبة قد تأخذ أي صورة يحبها ويتفق عليها الزوجان
وتحقق لهما المتعة والسعادة، ولا تقتصر على الفراش،
بل قد تكون في الاغتسال معًا، أو غيره من أشكال التلطف
والمداعبة التي يحبها الزوجان، وهي من أسرارهما ولهما
أن يبدعا فيها كما يحبان ما دامت تحقق لهما الإحصان
والسكن، وقد تفضي أو لا تفضي إلى معاشرة تالية.
وعادة ما تكون مداعبة ما بعد الجماع بابًا لحل مشكلات
تأخر الشهوة عند المرأة أو سرعة القذف عند الرجل،
مع عدم تجاهل محاولة علاج المشكلة الأصلية إذا كانت
تحتاج لاستشارة نفسية أو طبية متخصصة.
كما تحقق مداعبة ما بعد الجنس متعة أكيدة للمرأة
فإنها قد تكون ضرورية في حالات توتر الرجل وعجزه
عن المعاشرة لأسباب نفسية عارضة أو تأخره في القذف
أو فشله في الولوج بشكل كامل لإجهاده أو قلقه من أمر
ما خارج العلاقة الزوجية، وهو ما يحدث في بعض الأحيان
وعندئذ تكون المداعبة أداة أساسية لبث الثقة في نفسه
وإشعاره بالأمان والدفء والحب واسترجاع الرغبة والقدرة
وإرسال رسالة حب قوية من الزوجة.
وأخيرا فإن المداعبة بعد الجماع هي وسيلة مثالية لقول
الكلام الجميل والتعبير عن الحب وكل المشاعر الجميلة التي
قد تؤدي الرغبة الجنسية المشتعلة إلى تجاوزها إلى الرفث
والكلام المثير، وبعد أن تهدأ عاصفة الشهوة يفسح المجال
للقلب والروح للتعبير عن دواخل النفس وتبادل العبارات
واللمسات العاطفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق