الخميس، 24 ديسمبر 2009

فترة المراهقة: أكثر مراحل حياتنا تأثيراً

تعتبر المراهقة أكثر مراحل العمر تأثيراً في حياة الإنسان، وتشكل محطة أساسية لكل أفراد المجتمع، وبالفعل فإن الراشدين والحالمين يريدون العودة إلى تلك الفترة التي كانت تسود فيها الطمأنينة بينما الصغار ينتظرونها بفارغ الصبر، في نفس الوقت الذي يشتهون فيه حياة الأجيال الأكبر منهم، مع أن المراهقة من أكثر المراحل صعوبة فإنها تعتبر مرحلة الحياة بين الطفولة والرشاد، وهي مهمة بالنسبة لمستقبل الشخص.

تلك التغييرات الجسمانية والنفسية تشكل خطوط الشخصية والسلوك الذي سيتأكد طوال السنوات التي يظل فيها الشخص يبحث عن هويته، من 12 إلى 18 سنة، يمر هؤلاء بمراحل مهمة وامتحانات وعراقيل تبدو قاطعة وفق تصرفات الشاب، بالفعل، بهدف أن يثبتوا للآخرين من هم حقاً، يذهب المراهقون إلى تجاربهم الأولى في مجالات كثيرة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الفكري أو الجنسي، إنهم يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة والتي تمس السلوكيات التي يتخذونها إزاء المدرسة، السلطة، المخدرات، والتي على المدى الطويل ستلعب الدور المرتبط أساساً بمستقبلهم.

يبحث المراهق دوما قبالة كل هذه المستجدات وقبالة المتغيرات عن الوسائل للهرب أو ببساطة للمزاح، الطريقة التي يلجأ إليها بعض الشباب هي المخدرات، والتي تبدو مهرباً شعبياً بالنسبة للمراهقين، العديد من الدراسات أثبتت أن أغلبية الشباب جربوا المخدرات، لأسباب مختلفة، في تلك المرحلة من حياتهم، بالمقابل يبالغ الشباب في استهلاكهم لأسباب المشاكل سواء اجتماعية أو مشاكل عائلية، أو مالية أو حتى على المستوى القضائي، تلك الاضطرابات يمكن أن تكون لها تأثيرات على ما تبقى من حياتهم وهي التأثيرات التي تبقى في لحظة حدوثها مؤثرة على الشاب الذي كثيراً ينتابه الشعور بأنه معرض إلى هجوم ضد حريته الخاصة حين نحاول مساعدته، زد إلى ذلك فإن الشخص الراشد، وبالخصوص الوالد، لا يحصل على الأخبار الحقيقية، وبالتالي عدم وجود الأخبار يجعل منه عاجزاً لا يعرف كيف يتدخل ولا متى يتدخل لمساعدة ابنه المراهق.

الاضطرابات العائلية

الحوار، الدعم، التقويم، الشعور بالانتماء العائلي الذي يجده المراهق في عائلته، أو على العكس الرفض، والكراهية تظهر كعامل يصوغ هويته، العلاقات العائلية هي المرشد النفسي لواقع الشباب، والطريقة التي على أساسها يشعر المراهق بماهيته، المشاكل الشخصية، عاداته في استهلاك السجائر، المخدرات والكحول هي في النهاية انعكاس للوضع العائلي، بالخصوص بين الأم والأب.

نعتقد أن الهوية إزاء المراهقة ترمز إلى أن العلاقات التي يقيمها الشاب مع والديه هي علاقات إيجابية، وهذا يعطيه الفرصة ليحصل على وضع نفسي جيد، توجد إذن مخاطر اقل حين يجد الشاب النمط الأسري المتناغم والمتكامل والجميل، يعوض الكثير من الأشياء وبالتالي يبعد المراهق آليا عن استهلاك العقاقير المهدئة والتي تتحول إلى مخدرات وكحول في بعض الحالات، تمنح الأسرة الكثير من التوازن للمراهق، لأنها تعطيه فرصة الاستقرار النفسي، وتحميه من التفكير في البديل السلبي، فالأسرة تعني الثقة والأمان حين تكون تلك الأسرة متكاملة ومتراصة فيما بينها، من هنا كلما كانت الأسرة متماسكة تكون مراهقة الشاب أقل حدة ويكون قادراً على تجاوزها بأقل مشاكل ممكنة، وكلما كانت الأسرة مفككة وتعيش على وقع المشاكل والمشاحنات يكون الشاب المراهق معرضاً إلى الهرب من تلك المشاكل بمختلف الوسائل منها الضياع والموت.

تأثير الطلاق على المراهقين

في اغلب الحالات، يعتبر المراهق والديه كشخصين في غاية التعقيد، ولكن لهم ميزات، بصفة عامة المشاعر العميقة التي يشعر بها المراهقون نحو آبائهم تبدو إيجابية، بيد أن من المحتمل بعد حدوث الطلاق، أن يبدأ المراهق ينظر إلى أبويه نظرة سلبية، يعتبر المراهق أكثر الناس إيجادا للأعذار لأوليائه في حالة الطلاق، لهذا فهم لا يتقبلون الطلاق، ويصعب أن يترك والداه العلاقة الزوجية تتعرض للشرخ، إلى درجة الانفصال التام، إنهم ينظرون إلى أوليائهم من هذا الجانب نظرة سلبية تماماً، أيضاً هذه الأحكام تتضخم وتتكاثف إذا حضر المراهق مشادات كلامية بين أبيه وأمه
الغضب ضد الوالدين، ولكن أيضاً الحب نحوهما.
الولاء نحو الوالدين، ولكن أيضاً محاولة الميل نحو أحدهما.
المودة للزوج (أو الزوجة) الجديدة، ولكن أيضاً الشعور بالانزعاج أمام الجانب الجنسي السائد في العلاقات مع ذلك القادم الجديد (الزوج أو الزوجة الجديدة).

الرغبة في مساعدة الوالد أو الوالدة التي تحتفظ بحق رعاية بقية العائلة بعد مغادرة الوالد، وهذا من دون التخلي عن الاستقلالية الشخصية بالنسبة للمراهق، من جهة ثانية، المراهق الذي يعاني اضطرابات ناتجة عن طلاق والديه يبدي عادة الغضب ضد والديه، انه يسعى إلى إقناع نفسه أن والديه مازالا يحبانه، وبالخصوص بالنسبة للوالد الذي يترك البيت بعد الطلاق، وهو الغضب والاضطراب حتى إزاء إخوته وأخواته، وكل من يحيطون به، المراهق يظهر بعض السلوك الذي يعكس ثورته، وهذا يحدث عادة بطريقة غير إرادية، المشادات الكلامية، التسكع، تناول الكحول بشكل مبالغ فيه، السرقة، الاضطرابات على مستوى الأكل يمكن أن يكون طريقة أو سلوكاً يعتمده المراهق لمحاربة ثورته الداخلية، وكل شخص يتصرف بطريقته في حالة وقوع الطلاق، الطلاق ليس حادثة معزولة، لكنه إجراء طويل تعيش على أساسه أسرة واقعاً يؤثر عليها كثيراً.

الانهيار العصبي

الانهيار العصبي لدى المراهق هي حالة مستمرة يشعر على أساسها المعني بالأمر بأنه لا قيمة له ويمتزج ذلك الشعور بالإحساس بالذنب، وعدم الثقة في النفس والتشاؤم، الحيوية والنشاط الجسمي عادة تبدو أقل والانخراط في الأشغال اليومية العادية يقل أيضاً، هذا الانهيار، يعيشه الأولاد والبنات بشكل مختلف بالنسبة للأولاد، فإنها مرحلة تشير مباشرة إلى المعارضة والرفض وحتى الفشل إزاء السير إلى عالم الراشدين، عند البنات تبدو على شكل حالة انغلاق إزاء الأشياء التي لم يتسن لهن الاندماج فيها، إنهن يعتقدن أنهن يقمن بحل مشاكل أنوثتهن، بينما تلك المشاكل تظهر في الحقيقة فيما بعد، مظاهر الانهيار هي آثار للكثير من الرغبات التي تهرب منا في النهاية.
محاولة استهلاك المخدرات لدى المراهقين هي للهرب من ذلك الإحساس بالضعف، ربما يحدث استهلاك العقاقير المهدئة، وبالتالي تتحول تلك العقاقير إلى مخدر خطير يشعر المراهق انه لا يمكن الاستغناء عنه وهو وهم كبير غارق فيه.

تورط الوالدين في العمل

منذ سنوات، في أغلب الحالات، نجد الأب والأم من العائلة يشتغلان، في مجتمعنا الذي صار مادياً أكثر فأكثر، المال والمكاسب العائلية تطغى على الجميع، في اغلب الأوقات، للوالدين عمل يفصل طوال اليوم بين أفكارهما وطاقتهما، العمل يأخذ مكاناً كبيراً وتوازناً عائلياً، لأن الوالدين أقل حضوراً، فعلى الأطفال أن يتعلموا التنظيم من أنفسهم، والعيش كراشدين، الوالدان في غياب مستمر، لهذا فهما يحاولان تعويض الغياب بأشياء مادية يمنحونها لأطفالهما في غياب سلطتهما عليهم، أنهم ضحية مؤسسة عملهما يبحثان عن الطريقة التي تسد غيابهما عن البيت وتزيح إحساس الذنب، بيد أن المراهق يبدو سعيداً بما يتلقاه، لكن الأشياء المادية لا يمكنها أن تعوض الحاجة إلى الحب والحنان التي يحتاجها الشاب، لذا فإن غياب الوالدين يمكنه إحداث الخلل في نفسيته في هذه المرحلة من حياته، في مرحلة المراهقة يستغرق الأبوان الكثير من الوقت للحديث لأجل تطوير العلاقة بين الأولياء والأبناء، عمل الوالدين يجعل الاهتمام بالأطفال في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، وهي المرحلة التي يكون فيها المراهق بحاجة ماسة إلى كل دقيقة واهتمام من والديه.

وفي غياب الوالدين يجد المراهق نفسه مجبراً لكي يعتمد على نفسه لأنه لا يجب أمامه من يقوده إلى الطريق الصحيح، وفي هذه الحالة يكون في حالة احتكاك مع مراهقين آخرين، وبالتالي تكون استفادته من والديه أقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق