الأحد، 13 ديسمبر 2009

العلاقات الجنسية بعد الولادة

د. خولة أبوبكر

العلاقة الجنسية هي أولا وأساسا علاقة إنسانية. وتتعلق جودة العلاقة الجنسية ومدى الرضى عنها بمدى الرضى عن العلاقة العامة بين الزوجين.

يسبب الحمل والولادة تغييرات في المبنى الجسدي والنفسي للوالدة والوالد. فمن ناحية جسدية ترافق بعض الولادات آلام في الجهاز التناسلي أثناء الحمل وبعد الولادة ولمدة طويلة. وأما لدى البعض الآخر من النساء فيتسبب الحمل والولادة، وخاصة الطبيعية، في فقدان الشعور بالمتعة الجنسية وخاصة في المراحل الأولى المباشرة للولادة.

أما من الناحية النفسية، فترافق الولادة مشاعر كثيرة لدى المرأة الوالدة. تتعلق هذه المشاعر جزئيا على المبنى النفسي للوالدة وتعتمد في الجزء الآخر على طبيعة الولادة ومدى سهولتها أو كونها تجربة صادمة، وتعتمد بقدر كبير على مدى مساندة ومرافقة الزوج للمرأة في هذه التجربة الخاصة.

بالنسبة للزوج، يرافق بعضهم التغييرات الجسدية لدى الزوجات ويرون هذا إيجابا ويفكرون بالمعاني الإيجابية التي ترمز إلى بناء أسرة وتحقيق الذات. والبعض يستعد نفسيا لمرافقة الزوجة في غرفة الولادة ويتحضرون للمرحلة بواسطة جميع الكثير من المعلومات الطبية حول الولادة. بعض الأزواج، وبسبب عدم النضج النفسي والاجتماعي، يعانون صدمة من تجربة الولادة بحيث لا يستطيعون بعدها القرب من جسد الزوجة أو ممارسة الجنس معها لفترة طويلة. أما البعض الآخر، وبسبب الحواجز التقليدية في وظائف وأدوار الرجال والنساء، لا يرون بهذه المرحلة قضية تتعلق بهم، وهم يطالبون المرأة بالممارسة الجنسية الكاملة عند حاجة الرجل لها وبدون الأخذ بعين الاعتبار التجربة الجسدية والنفسية التي عاشتها الزوجة أثناء الحمل والولادة. هذه الفئات من الرجال لا ينجحون في دعم زوجاتهم بحسب توقعات الزوجات ويسبب هذا خيبة أمل نفسية كبيرة للمرأة الوالدة مما ينعكس سلبا على طبيعة علاقتها مع الزوج.

من جهة أخرى، تتراكم بعد الولادة المسؤوليات الجديدة على الوالدة من حيث العناية بالمولود والتوقعات الاجتماعية المرافقة. وتشعر بعض الوالدات بضغوطات نفسية جمة ترافق شعور السعادة بالولادة. ولكن غالبا تخفي النساء هذه المشاعر الصعبة لأنهن يخجلن من المشاركة بها لئلا يشار اليهن بأنهن يرفضن الطفل أو يتذمرن من الأمومة.

تسبب جميع هذه الضغوطات شعورا بالغمر يقود غالبا إلى سلوك اكتئابي. ويؤدي الدمج بين التعب الجسدي، والضغوطات النفسية، وخيبة الأمل من الزوج إلى الإمتناع عن الممارسة الجنسية أو إلى الشعور بالغضب أو عدم الشعور بالمتعة عند القيام به.

لعلاج هذه الظاهرة يجب العودة إلى أسبابها. وعند التخطيط للعلاج يجب تبني جميع الخطوات وعدم إهمال بعضها. والخطوة الأساسية للعلاج هي تلقي الزوجين الإرشاد الطبي التام حول مراحل الحمل والولادة والعلاقة الجنسية أثناء جميع مراحل هذه الفترة. والخطوة الثانية هي تعلم المرأة الحديث الصريح حول توقعاتها وطلباتها وشعورها والوصول إلى اتفاق يرضيها ويرضي زوجها حول كل بند في حياتها. الخطوة الثالثة هي أن تعي المرأة مشاعرها وتعمل وفقا لها، وخاصة فيما يتعلق بشعور تراكم التعب بعد الولادة. وهنا عليها أن تتركز في الأولويات بحيث أن تجعل علاقتها وخدمتها للمولود من أولوياتها، وأن تطلب المساعدة الفورية (من الزوج والآخرين حولها) فيما يخص المسؤوليات الأخرى حتى تسترد طاقاتها وتعود إلى سير العمل السابق لها. أما بالنسبة للزوج فعليه تقبل المرحلة الجديدة التي تنتقل إليها أسرته وأن يناسب نفسه نفسيا وعاطفيا واجتماعيا لهذه الفترة وعدم التعامل معها على أنها فترة تخص المرأة وحدها. حيث أن الحمل والولادة هما حدث يخص العائلة (الزوجان والأولاد) وليس المرأة وحدها. وعليه أن يفتح الحديث الصريح مع زوجته حول مخاوفه وتوقعاته وآماله ومسؤولياته تجاه هذه الفترة. وعلى الزوجين التشاور مع الطبيب/ة المولّد حول التغييرات التي حصلت في جسد المرأة بسبب الولادة ومتى يصبح جسدها جاهزا مرة أخرى للقيام بالعملية الجنسية الكاملة التي تتضمن الولوج. إن هذه المعلومات تجعل الزوج حساسا لجسد زوجته وعلى وعي تام لمشاعرها.

يجب التعامل مع الممارسة العلاقة الجنسية بعد الولادة على أنها استمرار للتعبير عن العلاقة الحميمية بين الزوجين، ومن المتوقع أن لا يتوقف هذا التعبير في علاقة زوجية سليمة. وبكلمات أخرى، فإن الموقف هو أن العلاقة الحميمية لا تتعلق بقدرة الزوجان على ممارسة الجنس الكامل مع ولوج أو عدمه. حيث أن إقامة علاقة جنسية تبدأ بتوفر علاقة زوجية دافئة وحميمية بين الزوجين تمكّن كل منهما من إظهار الحب والدفء ومنح الحب وتقبّل الحب. وبالإمكان التقرّب الجسدي بين الزوجين في كل حالة وفي كل مرحلة بحيث يمنح شعور تبادل الحب كل منهما -بدون الولوج الجنسي- وهذا يساهم في توفير الراحة النفسية والعاطفية لدى كل منهما. فعليا بالإمكان تنفيذ هذا النوع من العلاقة على مدار العلاقة، أي في كل فترة بغض النظر عن فترة حمل أو عادة شهرية أو عائق آخر لدى أي منهما. وإذا كانت طبيعة العلاقة بين الزوجين مبنية على الصراحة فإنهما سوف يتقبلان المرحلة التي سوف تحاول بها الزوجة العودة لعلاقة جنسية تتضمن الولوج. هنالك بعض الأزواج الذين يلوم أحدهما الآخر بأنه لا ينتبه إلى مثل هذه الأمور أو بالأنانية. القاعدة هنا أن يتحدث أي منهما للآخر حول هذا الموضوع أثناء فترة الحمل والاستعداد في كل مرحلة للمرحلة التالية وتقبلها بود ورضى حتى لا تتحول العلاقة الجنسية لساحة معركة يتبادل بها الزوجان استعمال القوة بأشكالها المتنوعة.

وقبل العودة للعلاقة الجنسية المجددة الكاملة في هذه المرحلة يجب على الزوجين اتخاذ قرار مشترك حول الوسيلة التي سيستعملانها لمنع الحمل في هذه المرحلة. حيث أن عدم التخطيط لهذه من الممكن أن يؤدي إلى حمل غير مرغوب، يثير لاحقا لوم الزوجين أحدهما ضد الآخر. ومن ناحية أخرى من الممكن أن يؤدي القلق من احتمال الحمل أثناء ممارسة العلاقة الجنسية إلى منع الشعور بالمتعة الجنسية. أما بهدف منع الآلام الولوج في هذه المرحلة بسبب حساسية المهبل وعنق الرحم بالإمكان الاستعانة بالمطريات والمراهم الطبية المناسبة وبالإمكان استشارة طبيب/ة أو صيدلاني/ة في هذا الموضوع. وفي حال استمرار الشعور بالآلام والتوتر النفسي من الممكن توجه كلا الزوجان لاستشارة زوجية في الموضوع.

د. خولة أبوبكر
معالجة مؤهلة ومرشدة مؤهلة لمشاكل الأفراد، الأزواج والأسرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق